كتبت “الأخبار”: صدر تعميم عن مصرف لبنان في 27 آذار 2025، مبني على قرار اتخذه المجلس المركزي في 12/5/2025، أي قبل تعيين كريم سعيد حاكماً لمصرف لبنان، يمنع “بیع سندات الخزینة اللبنانیة بالعملات الأجنبیة (Eurobonds) في الخارج إلا بعد الاستحصال على موافقة مصرف لبنان”، ويمنع بيع أي أصول أجنبية إلا بالعملات الأجنبية النقدية.
يرتّب هذا التعميم نتائج مهمة في السوق، إذ إنه يهدف إلى منع بيع السندات للأجانب، ويمنع التصرّف بناتج البيع في المصاريف التشغيلية للمصارف.
فقد لوحظ أنه بعد تأليف الحكومة ومباشرة عملها، ارتفعت أسعار سندات اليوروبوندز وأدّت إلى تحريك نشاط المضاربات عليها وسط رهانات بأن الأسعار ستسجّل مزيداً من الارتفاع. كما لوحظ أيضاً أن الطلب على هذه السندات ليس محلياً فقط، بل هو طلب خارجي أيضاً.
في هذا السياق، أتى التعميم لمنع المصارف من استغلال هذا الارتفاع للتخلّص من السندات التي تحتفظ بها في محافظها وتسيّلها من أجل استعمال الناتج من الأموال في عمليات مختلفة من بينها تمويل المصاريف التشغيلية. بيع السندات، يتيح لهذه المصارف أن تحرّر من ميزانياتها مؤونات على خسارة محتملة من جراء الاستثمار في هذه السندات، إذ سبق لمصرف لبنان أن فرض عليها أن تتخذ مثل هذه المؤونات قبل بضع سنوات حتى تدنّت قيم السندات التي تصرّح عنها المصارف في محافظها المالية إلى نحو 2 مليار دولار بدلاً من 11 مليار دولار.
والمؤونات هي بنود تضعها المصارف في حساب رأس مالها، وتخصصها لتغطية الخسائر المحتملة الناتجة عن عدم سداد القروض أو خسائر في التوظيفات، أو ما يُعرف بشكل عام بـ”الأصول السيئة”. وتُستخدم المؤونات كاحتياطيات تساعد المصرف على حماية ميزانيته وتقليل تأثير هذه الخسائر على أرباحه. وكان مصرف لبنان قد فرض على المصارف تشكيل مؤونات بنسبة 75% من اليوروبوندز التي تحملها. لذا، إن بيع هذه السندات سيحقق الخسائر المتوقعة من السندات، ولكن ارتفاع أسعار السندات في السوق يعني أن بيعها سيحقق خسائر أقل، لذلك قامت المصارف بالتخلص من السندات بعد ارتفاع أسعارها، وبالتالي ستكون قد تخلصت من بعض المؤونات الموجودة في حساب رأس مالها.
وكانت أسعار سندات اليوروبوندز في مسار انخفاضي منذ شهر آذار الماضي. ففي 3 آذار بلغ السعر السوقي لهذه السندات ذروته مسجلاً 19 سنتاً للدولار الواحد. وفي 26 آذار بلغ السعر نحو 17 سنتاً للدولار. إلا أنه بعد صدور التعميم، بدأ مسار انخفاض أسعار اليوروبوندز بالتسارع حتى بلغ 14.2 سنتاً للدولار في 7 نيسان. أي إنه خلال عشرة أيام، بعد إصدار التعميم، انخفض سعر اليوروبوندز في السوق بقيمة أعلى من الانخفاض الذي شهده في 25 يوماً قبل التعميم.
ومنذ توقّف الحكومة اللبنانية عن سداد اليوروبوندز في آذار 2020، بدأ التدهور في سعر هذه السندات، وهو ما أدّى إلى خسارات كبيرة لحامليها. وكانت المصارف بالفعل قد باعت جزءاً من محافظ اليوروبوندز التي تمتلكها، ما أسهم في زيادة حصّة حملة اليوروبوندز الأجانب، وهو ما يُصعّب عملية التفاوض على إعادة الهيكلة بين الحكومة والدائنين. وبما أن مصرف لبنان قادر على إصدار تعميم كهذا، لا بد من طرح سؤال: لماذا لم يقم مصرف لبنان بمنع المصارف من بيع هذه السندات في السابق؟
من ناحية أخرى، من المؤكّد أن بيع اليوروبوندز له انعكاس واضح على وضعية أزمة الودائع العالقة منذ بداية الأزمة. فالخسائر ليست متحققة بعد، بينما ستتحقق بمجرد بيع سندات اليوروبوندز.
وليس المقصود هنا ربحية المصارف، بل مشكلة السيولة والملاءة، وهي على الورق لم تكن موجودة، ولكن مع بيع السندات، بخسارة تبلغ أكثر من 80%، تكون الخسارة قد تحققت، وتُصبح الودائع الموجودة في خانة المطلوبات غير مغطاة في خانة الأصول. ومن الطبيعي أن يؤثّر هذا الأمر على موضوع تسوية الأوضاع المصرفية، إذ إن الخسائر الناتجة من اليوروبوندز لم تعد على عاتق الدولة بل أصبحت محققة في البيانات المالية للمصارف، ما يعني أنها من مسؤولية المصارف، وهو ما ينعكس على أوراق التفاوض الخاصة بالمصارف في ملف إعادة الهيكلة. بعبارة أخرى، إن الحفاظ على السندات في ميزانيات المصارف يتيح لها تحقيق مبالغ أكبر عند التسوية تستخدم لسدّ بعض من الودائع.