في ظل التوترات المتصاعدة في الساحة السورية، تجد تركيا نفسها في مواجهة مع إسرائيل، حيث تتداخل المصالح الأمنية والسياسية لكلا الجانبين. فتركيا، التي تسعى إلى تعزيز دورها الإقليمي في المنطقة، تركّز على الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وضمان استقرار المناطق المجاورة لحدودها الجنوبية. في المقابل، تسعى إسرائيل إلى حماية مصالحها الأمنية، حيث ترى في النفوذ الإيراني في سوريا تهديداً لأمنها القومي، مما يخلق تضارباً في السياسات بين الطرفين.
هذا التقاطع بين المشاريع التركية والإسرائيلية، وسعي كل منهما لتحقيق أهداف متضاربة على الأرض السورية، يزيد من تعقيد الوضع في منطقة تعيش حالة من عدم الاستقرار السياسي والعسكري.
ومن اسطنبول، لفت المحلل السياسي التركي جواد غوك إلى “أن الجانب التركي يقول دائماً إنّ كل أنشطته العسكرية تهدف إلى الحفاظ على الأمن القومي التركي، لكن هناك معارضة من بعض الجهات لمنح تركيا دوراً عسكرياً في سوريا. لذلك، قامت إسرائيل بقصف مواقع عسكرية وقواعد جوّية يُحتمل أن تستقرّ فيها القوات التركية”.
وتحدث غوك عن “وجود مشروعين يتواجهان في الساحة السورية بشكل أو بآخر؛ المشروع التركي الذي يسعى إلى الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، في مقابل المشروع الإسرائيلي الذي يهدف إلى تقسيم سوريا”.
وأكد أنّ إسرائيل تستفيد من الوضع القائم في غياب أي تحرك دولي، “فغالباً ما يواجه المجتمع الدولي، خاصة عبر مجلس الأمن الدولي، فيتو أميركياً يمنع اتخاذ أي خطوات فعّالة، ما يعني أن أيّ دعم للقضايا المطروحة يصبح مستحيلاً. ومن الواضح أن المجتمع الدولي قد تراجع عن التدخّل في الوضع في المنطقة، والدليل على ذلك ما يحدث في فلسطين اليوم من دون اتخاذ أي إجراءات عملية. بنيامين نتنياهو يدرك تماماً أن المجتمع الدولي لن يتدخّل، ولهذا يواصل تحركاته العسكرية بثقة، مستفيداً من حالة الفراغ العسكري في سوريا. فقد تحوّلت سوريا إلى دولة فاقدة القدرة على مقاومة الاحتلال، حيث أن جيشها لا يمتلك القوة العسكرية الكافية لمواجهة التهديدات على الأرض أو في الجو أو البحر. وبالتالي، تستطيع إسرائيل احتلال أي نقطة في سوريا من دون مقاومة تذكر، وهي مدركة تماماً أن المجتمع الدولي لن يتحرك لمحاسبتها”.
وذكّر غوك بتصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المتكرّرة التي اعتبر فيها “أنّ إسرائيل تمثّل تهديداً مباشراً للأمن القومي التركي”، وأنّ تركيا “لن تتوانى عن لعب دور رئيسي وفاعل في الساحة السورية، بما يتماشى مع مصالحها الاستراتيجية في المنطقة”. كما تحدّث عن “وجود تعاون دفاعي واستخباراتي بين دمشق وأنقرة في الوقت الحالي”، مشيراً إلى “أنّ إسرائيل تعارض تماماً أي تعاون بين تركيا وسوريا، كما صرّح وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، متّهماً تركيا بتأدية دور سلبي في كلّ من سوريا ولبنان.”
وفي هذا السياق، رأى غوك أن إسرائيل “لن تسمح لتركيا بتثبيت وجودها العسكري في سوريا، محذّراً من أنّ “أي قصف إسرائيلي للمواقع التركية، سواء عبر الطائرات الحربية أو القوات البرّية، سيكون بمثابة إعلان حرب”. وأوضح أنّ تركيا “لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا التصعيد، بل ستردّ عسكرياً إذا لزم الأمر”.
واعتبر غوك أنّ “الحكومة السورية الحالية تُعتبر حكومة موقّتة ولا تملك القدرة على توقيع استراتيجيات بعيدة المدى مع أي جهة. ومع ذلك، في المدى القريب، تسعى تركيا، على سبيل المثال، إلى تدريب الجيش السوري إذا كانت هناك حاجة لذلك، كما حدث في أذربيجان مقابل أرمينيا”. وأكّد رغبة تركيا “في تعزيز وجودها العسكري في سوريا على الأصعدة الاستخباراتية والعسكرية واللوجستية والسياسية، بهدف تحقيق استقرار شامل في البلاد، وذلك لأن تقسيم سوريا يعني تقسيم تركيا، وهو ما تؤكده الحكومة التركية. لذا، فإنّ المواجهة بين إسرائيل وتركيا في الساحة السورية هي أمرّ لا مفرّ منه في المستقبل القريب”.
واعتبر غوك أن المنطقة على مشارف مشهد جديد، إذ قال: “بعد رحيل الرئيس بشار الأسد وما حدث بين لبنان وإسرائيل وسوريا، أصبحت تركيا قوة مؤثرة في المنطقة، وكذلك إسرائيل أصبحت أقوى من ذي قبل بسبب الفراغ الأمني في سوريا. تركيا، بصراحة، حلّت محل روسيا وإيران في سوريا، وإسرائيل ستواجهها، وكل هذا يتم تحت الرعاية الأميركية. ولكن إذا كان هناك قرار إسرائيلي بقصف المواقع التركية في شمال سوريا أو في أطراف دمشق وحمص وحماة، فإن تركيا ستتحرك بقوة، بالتعاون مع حلفائها”.