خاص “المدى” من الحرب إلى الطاولة: مشهد إقليمي يتغيّر ومفاوضات تُعيد رسم التوازنات واشنطن وطهران تبحثان عن اتفاق وروسيا والصين ترسمان الملامح الخلفية

الثلاثاء ٢٢ نيسان ٢٠٢٥

خاص “المدى” من الحرب إلى الطاولة: مشهد إقليمي يتغيّر ومفاوضات تُعيد رسم التوازنات واشنطن وطهران تبحثان عن اتفاق وروسيا والصين ترسمان الملامح الخلفية

بين طموحات التهدئة وتحديات التوازنات الإقليمية والدولية، تواصل إيران والولايات المتحدة مسارًا تفاوضيًا دقيقًا، بدأ في مسقط وانتقل إلى روما، تمهيدًا لجولة تقنية غدا الاربعاء قبيل جولة السبت في سلطنة عمان. هذه المفاوضات، التي تجري وسط ترقّب دولي ومواقف متباينة، تُعدّ اختبارًا جدّيًا لمدى استعداد الطرفين لتجاوز مرحلة التصعيد والانتقال إلى تسوية تضمن مصالحهما، دون إغفال تأثيرات المحيط الجيوسياسي، من محور المقاومة إلى الدور الروسي والصيني في بلورة المشهد الجديد.
فبين من يرى فيها خطوة نحو تفاهم نووي شامل، ومن يترقّب تداعياتها على موازين القوى في الشرق الأوسط، تتقدّم المحادثات ببطء، ولكن بثبات، نحو إعادة رسم معادلة إقليمية ودولية عنوانها الأبرز: من يربح ماذا؟ وكيف؟
وفي هذا السياق، اعتبر الباحث في الشؤون الدولية، ومؤسس مركز بروجن للدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية الدكتور رضوان قاسم أن الجولة النووية الثانية التي عُقدت في روما لم تكن سوى امتداد طبيعي ونتيجة مباشرة للمحادثات التي جرت في مسقط، ما يعكس رغبة كلا الطرفين – الإيراني والأميركي – في دفع عجلة المفاوضات نحو برّ الأمان والتوصل إلى اتفاق نهائي. وقد شكّلت استضافة إيطاليا لهذه الجولة بمثابة “جائزة ترضية” للأوروبيين، وتحديدًا لرئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، نظرًا لقربها السياسي من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مقارنة بباقي الزعماء الأوروبيين. وقد جاءت هذه الخطوة لتمنح الأوروبيين دور “شهود ملك” في هذه العملية التفاوضية، في حين أن الدور الفعلي والمفاوضات الجادة لا تزال محصورة بين الولايات المتحدة وإيران، بمساعدة الوسطاء العُمانيين، إضافة إلى الدور المهم الذي تؤديه موسكو في هذا السياق. وقد عبّر المسؤولون الروس، وفي مقدمتهم الرئيس فلاديمير بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف، عن دعمهم المتواصل لجهود التقريب بين الطرفين.
وعليه، أكد قاسم، أن اللقاء في روما كان أقرب إلى لقاء رمزي، الهدف منه تأكيد استمرارية العملية التفاوضية، خصوصًا في سلطنة عمان التي أصبحت نقطة الارتكاز الفعلية للمحادثات. أما الأوروبيون، وعلى الرغم من استضافتهم، فلن يكون لهم نصيب فعلي من نتائج هذه المفاوضات أو من أي اتفاق اقتصادي محتمل، إذ يُرجّح أن تكون الحصة الأكبر من أي صفقة مستقبلية من نصيب الولايات المتحدة.
واعتبر قاسم أنّ المرحلة الثانية من المفاوضات ستكون تقنية بامتياز، حيث ستُحدّد خلالها طبيعة التنازلات المقدّمة من كلا الطرفين. فمن المعروف أن الطرفين، الولايات المتحدة وإيران، قدّما بالفعل بعض التنازلات. وقال: على الجانب الإيراني، يُرجّح أن يتم التوافق حول نسبة التخصيب وما تم تخصيبه حتى الآن، إذ تشير التقديرات إلى أن المواد المُخصّبة بنِسَب عالية ستوضع كأمانة في روسيا، بينما يُسمح لإيران بالاستمرار في التخصيب بنسب معينة، ربما تكون قريبة من تلك المنصوص عليها في الاتفاق النووي الأول، أو بنسبة أعلى قليلًا، ولكن تحت مراقبة دولية صارمة.
هذا التخصيب، رغم أنه سيبقى ضمن حدود الاستخدام السلمي، سيخضع لضمانات روسية ودولية، إضافة إلى رقابة مشددة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وربما أيضًا بمشاركة مباشرة من الولايات المتحدة على مستوى عالٍ. كما يُتوقّع أن يُطلب من إيران السماح بزيارة مفتشي الوكالة لكل المواقع النووية، بما في ذلك تلك التي تُعتبر “غير معلنة” أو “سرّية”.
في المقابل، يبدو أن الولايات المتحدة قد بدأت التراجع عن بعض الشروط، لا سيما في ما يتعلق ببرنامج الصواريخ الإيرانية ومحور المقاومة والدعم الإيراني له. فبالنسبة للإدارة الأميركية، لم يعد محور المقاومة يمثل أولوية، في ظل تغيّر أولويات إيران نفسها، حيث بات الملف الاقتصادي ورفع الحصار يتقدمان على أي قضايا إقليمية أخرى.
وتؤكد هذه المعطيات، وفق قاسم، أن الطرفين لديهما نية حقيقية للوصول إلى اتفاق في وقت قريب، دون الحاجة إلى مفاوضات مطوّلة. وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة، وتحديدًا ترامب، أبدت رفضًا واضحًا لأي هجوم إسرائيلي على إيران في هذا التوقيت، معتبرة أن مثل هذا العمل قد يُفشل المفاوضات برمّتها. وفي حال أقدمت إسرائيل على ضربة عسكرية، فإن أميركا لن تتبناها ولن تشارك فيها، ما يعني أن تل أبيب ستتحمّل وحدها تبعات أي تصعيد.
وهنا، تحدث قاسم عن طرح سيناريو محتمل، وإن كان مستبعدًا في المدى المنظور، مفاده أن تلجأ إسرائيل إلى توجيه ضربة “رمزية” لإيران لأغراض إعلامية فقط، تُقابلها طهران بردّ محسوب، بحيث يُصوَّر المشهد وكأن إيران لم تعد تمتلك القدرة على إنتاج سلاح نووي، مما يسمح باستكمال الاتفاق دون عقبات. إلا أن مثل هذا السيناريو يبدو غير مرجّح قبل التوقيع الرسمي على الاتفاق.
وقال: هذا هو السيناريو المرجّح في المرحلة المقبلة، لكن الأهم الآن هي الجولة التقنية التي ستُعقد في سلطنة عمان، والتي من بعدها – على الأرجح – سيلعب الروس دورًا كبيرًا ومفصليًا في مسار المفاوضات. يتمثل هذا الدور أولًا في اقتراح تخزين اليورانيوم المخصّب الذي أنتجته إيران داخل الأراضي الروسية، وثانيًا في تقريب وجهات النظر حول القضايا العالقة، تمهيدًا لحلحلتها والوصول إلى اتفاق نهائي وملزم.
ورأى أنه في حال تحقّق هذا السيناريو، ستكون إيران لاعبًا أساسيًا على الساحة الدولية، وستخرج من عباءة الحصار، ما سينعكس على محور المقاومة بشكل عام. ولكن من الواضح أن مشهد المحور اليوم لم يعد كما كان سابقًا؛ فاليمن، إلى جانب القضية الفلسطينية، يبقى في الواجهة، بينما تراجع الدور العسكري لباقي أطراف المحور لحساب أدوار سياسية محدودة، وهذا واقع يجب الاعتراف به، خصوصًا بعد الضربات التي تلقاها في الآونة الأخيرة، والتي انعكست تراجعًا في الإمكانات والقدرات.
أما على صعيد التسلّح، فبرأي قاسم أن ايران لا تزال تحتفظ بقوة وازنة، لكنها اليوم تدخل المفاوضات وهي أقل قوة من حيث النفوذ الإقليمي مقارنة بما كانت عليه سابقًا. العلاقة العسكرية ستظل مستبعدة في المرحلة الراهنة، وأي تصعيد محتمل من جانب إسرائيل سيقابله – كما في السابق – ردّ محدود لا يصل إلى حد إشعال حرب واسعة النطاق، أو ما قد يرقى إلى حرب عالمية. وعليه، يتجنّب الطرفان المواجهة المباشرة، ومن المرجّح أن يتم التوصل إلى اتفاق، يتمّ بموجبه تثبيت مكاسب سياسية واقتصادية للطرفين. وفي حال نجاح الاتفاق، سيتمكّن ترامب من القول للأميركيين إنه الشخص القادر على استعادة الاقتصاد القوي، وإنه أنجز صفقة ناجحة مع إيران تصبّ في مصلحة الولايات المتحدة. وبهذا، يكون كل طرف قد غنّى على ليلاه إعلاميًا. لكن في الخلاصة، يمكن القول إن كلا الطرفين – الولايات المتحدة وإيران – قدّما تنازلات، ومن الواضح أننا اليوم أمام مرحلة جديدة ومختلفة تمامًا عمّا سبق.
أما في ما يتعلق بمحور المقاومة، فحسبما قال قاسم، بات من الجليّ أن معظم مكوناته أصبحوا يبحثون عن أدوار سياسية أكثر من كونهم أطرافًا ذات أدوار عسكرية فاعلة. ومن المرجّح أن يشهد الدور العسكري في المنطقة تقلّصًا كبيرًا، مع احتمال بقاء تأثير محدود في اليمن، في حال عدم التوصل إلى تسوية شاملة هناك. وإذا ما حُلّت الأزمة في غزة، فسيكون لذلك أثر مباشر على تهدئة الوضع في اليمن، ما قد يؤدي إلى إنهاء هذا النزاع تلقائيًا.
أضاف: في هذا الإطار، قد تتمكن الولايات المتحدة من الخروج من المأزق الذي تورطت فيه، ويكون اليمنيون بدورهم قد طووا صفحة الحرب. في المقابل، تصبح إيران رسميًا دولة نووية لأغراض سلمية غير عسكرية، وهو ما قد يتكرر مع المملكة العربية السعودية، التي يُرجّح أن تحصل على دور مماثل كدولة نووية سلمية. عندها، تتبلور معادلة جديدة في الشرق الأوسط، تضمن توازنًا استراتيجيًا بين القوى الإقليمية الكبرى.
اخيراً، أدرج قاسم، زيارة الوزير الايراني عباس عراقجي في إطار تنسيق المواقف وإطلاع بكين ، بعد موسكو، على مجريات المفاوضات. فالصين وروسيا تباركان هذا المسار، وتدعمان الاتفاق، كونه يعزز موقعيهما على الساحة الدولية، وانضمام إيران إلى مجموعة “بريكس” أيضًا يعزز مكانتها ضمن النظام العالمي المتعدد الأقطاب، ويكرّس دورها كعضو فاعل في هذا التوازن الدولي الجديد. ومع هذا التحول، يتعزز الموقف الصيني والروسي في مواجهة الولايات المتحدة، وتكون واشنطن عمليًا قد وافقت – وإن بشكل غير مباشر – على مبدأ التعددية القطبية. وهنا ندخل مرحلة سياسية دولية مغايرة بالكامل لما كان عليه الوضع سابقًا، خصوصًا في ظل التراجع الأوروبي الواضح.

 

شارك الخبر

مباشر مباشر

04:18 pm

توقيف أشخاص في منطقَتي الكورة والبقاع الغربي لإطلاقهم النار

04:17 pm

سفير إسرائيلي سابق يدعو لمقاطعة جنازة البابا بسبب “انحيازه ضدّ الدولة العبرية”

04:03 pm

تدابير سير على المسلك الشرقي لأوتوستراد جبيل – المدفون

04:00 pm

الجهاد الإسلامي تؤكد “اعتقال” السلطات السورية اثنين من قادتها العسكريين

03:59 pm

منع نائب أوكراني من السفر والسبب؟!

03:56 pm

جنبلاط ينعي البابا فرنسيس: رجلٌ عظيم مكرّساً للبشرية

03:50 pm

أبو الغيط: نؤكد أهمية تنفيذ التزام الكيان الصهيوني بوقف إطلاق النار والانسحاب من الأراضي اللبنانية

03:48 pm

بري ترأس إجتماعاً لهيئة مكتب مجلس النواب… بوصعب: هناك إصرار ان لايتم تأجيل الإنتخابات البلدية

03:32 pm

عبد العاطي: نعمل لتحديد موعد زيارة الرئيس اللبناني لمصر قريباً

03:27 pm

بالأرقام: ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة

03:21 pm

الرئيس الغباش التقى الرئيس عون: اداؤكم والحكومة يؤكد اننا امام عهد جديد والامارات تثق بكم

03:06 pm

“حزب الله”: ندين بشدة الجريمة الغادرة والجبانة التي ارتكبها العدو الإسرائيلي باغتيال الشيخ حسين عطوي

02:59 pm

«برنامج الأغذية العالمي» يعلّق مساعداته لـ650 ألف امرأة وطفل في إثيوبيا

02:58 pm

الحريري اتصل بالبطريرك الراعي مطمئنًا

02:54 pm

انعقاد الاجتماع الأول لمجمع الكرادلة

02:51 pm

الصّدي يعيد النظر بآليات ترخيص الابار

02:50 pm

مدفن “بدون زخرفة خاصة”… اليكم وصية قداسة البابا فرنسيس

02:46 pm

لقاءات لكنعان مع إدارتي صندوق النقد والبنك الدولي

02:42 pm

شلل الأطفال يهدد 600 ألف طفل في غزة

02:42 pm

غالانت يفجّر مفاجأة… “نفق فيلادلفيا” كذبة إسرائيلية كبرى

02:38 pm

نصائح من فوج اطفاء بيروت لمواجهة العاصفة الرملية

02:34 pm

هذا ما بحثه الرئيس الروسي مع سلطان عمان

02:32 pm

إيطاليا تعلن الحداد الوطني خمسة أيام على وفاة البابا

02:30 pm

زلزال بقوة 6.2 درجات يضرب قبالة ساحل إندونيسسيا

02:16 pm

الجامعة العربية: ملتزمون بمكافحة الإرهاب

02:14 pm

جيش العدو الإسرائيلي: استهدفنا القيادي في الجماعة الإسلامية حسين عطوي بغارة في لبنان

02:09 pm

حقائق جديدة حول خلية الأردن الإرهابية قريباً

02:01 pm

الأردن يتسلّم رئاسة مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين

01:49 pm

الرئيس عون: أي مسألة خلافية تُحلّ بالحوار

01:44 pm

الكرملين يعلّق على اقتراح كييف بوقف الهجمات على المنشآت المدنية

01:28 pm

سوريا تدعو الدبلوماسيين المنشقّين عن نظام الأسد إلى تحديث بياناتهم

01:19 pm

الوكالة الوطنية للإعلام تنشر وصية البابا الراحل فرنسيس

01:19 pm

الأردن نكّس الأعلام حداداً على وفاة البابا فرنسيس

01:12 pm

محلقة اسرائيلية القت قنبلة صوتية وسط بلدة عيتا الشعب

01:10 pm

الكرملين يكشف عن تفاصيل زيارة سلطان عمان إلى موسكو

12:58 pm

الجديد: شهيد جرّاء الغارة على الـ “بيك اب” عند أطراف بلدة الحنية

12:58 pm

ميلوني: البابا كان متعباً لكنّه لم يفقد أبداً حسّ الفكاهة

12:48 pm

إصابات في استهداف سيارة ودراجة نارية عند طريق بلدة الحنية – القليلة جنوب شرقي صور

12:47 pm

هؤلاء هم القادة الذين سيحضرون جنازة البابا فرانسيس

12:33 pm

عمرها 9 قرون… نبوءة تعود للواجهة بعد وفاة بابا الفاتيكان